أمن الدولة والمجتمع بين الشريعة والقانون
القوانين الوضعية لم توفر الأمان ولم تردع الخارجين عن القانون
المتأمل للوضع الأمني في العالم يجد أن كثيراً من الدول الشرقية تركز على الأمن الداخلي بخلاف كثير من الدول الغربية التي تركز على الأمن الخارجي أكثر.
وهذا الوضع طبيعي منطقياً لأن كثيراً من هذه الدول الشرقية لا تزال تعاني من تهديدات داخلية نتيجة لضعف الوعي الأمني أو لضعف سيادة القانون أو للفشل السياسي الذي يدفع بعض الحكومات لاستخدام أسلوب القمع والتخويف، بينما كثير من الدول الغربية رسّخت في مجتمعاتها الوعي الأمني وسيادة القانون واحترام الأنظمة وحقوق الإنسان ورفض الاستبداد فهي غير قلقة كثيرًا بسبب التحديات الداخلية.
والدول التي تفشل في تحقيق الأمني الداخلي ستفتح الأبواب وتشجع الأعداء للتلاعب بأمنها الخارجي، والأمن الداخلي آكد وأهم من الأمن الخارجي، والشمولية في فهم "الأمن" تعين الدولة على وضع الخطة الصحيحة المتكاملة، واتخاذ الإجراءات السليمة لتحقيق الأمن في المجتمع بخلاف الرؤية الجزئية التقليدية.
وكلّ ما يزرع الأمن والطمأنينة في نفوس الناس داخل في مفهوم الأمن، وكل ما يُدخل الخوف في نفوس الناس داخل في نواقض الأمن ومنغصاته كالبطالة والانهيار الاقتصادي والحروب والكوارث الطبيعية وتفكك الأسر ونشر الثقافات الضارة.
وقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على صيانة أمن المجتمع المسلم والدولة الإسلامية، وقد صانت الشريعة أمن المجتمع المسلم من كل الوجوه، شرع الله تعالى أعظم الحدود وأشدها على الإطلاق في حالة الاعتداء على المجتمع المسلم وهو حدّ الحرابة، حيث يقول تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: 33.
فمن يعتدي على أمن المجتمع ويسعى لنشر الفساد في الأرض سواء أكان هذا الفساد يخص الإنسان، أو الحيوان، أو البيئة، فهو فساد مطلق شامل لكل ما ينطبق عليه الفساد، أمرت الشريعة بمواجهته وأرشدت إلى طريقة المواجهة والتصدي، وكانت قاطعة ومحددة في فرض حد الحرابة ضد من يعتدي على أمن المجتمع المسلم.
بل إن القرآن الكريم رفض الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، كصورة من صور التعدي على أمن المجتمع حينما قال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} البقرة: 205.
وهكذا اعتبرت الشريعة أن حفظ أمن المجتمع ودرء الفساد في الأرض ضرورة من الضروريات التي يجب صيانتها والمحافظة عليها.
والفرد في المجتمع المسلم يحتاج إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها.
وقد فرّق علماء المسلمين بين مطالب الحياة الضرورية، التي تهم الإنسان، وبين غيرها من حاجاته، فأنزلوا الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة إلا بها، وجعلوا حاجات الإنسان التي تُيسر حياته في مرتبة تالية، وأفسحوا مجالاً تكتمل به حياة الإنسان، فيما عدوه من الكماليات والتحسينيات.
ولا شك أن أمن الإنسان لا يمكن أن يتحقق، إلا إذا توافرت له ضرورات الحياة هذه، في أي مجتمع يعيش فيه.
وقد بلغ من عناية الشريعة بحفظ هذه الضرورات للمسلم، إلى أن حرمت على الشخص نفسه الاعتداء عليها، فحرمت الردة، وتعريض النفس للهلاك، وارتكاب الفواحش، وتناول المسكرات والمخدرات، وإضاعة المال، ونحو ذلك، كما حرمت على الآخرين الاعتداء عليها بأي صورة من صور الاعتداء، وشرعت عقوبات رادعة، وإجراءات وقائية متنوعة.
ومن أجل تحقيق أكبر قدر من الحماية لهذه الضرورات، كان تشريع الحدود والقصاص للزجر والردع عن الجرائم التي تمس الأفراد في أنفسهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم.
وإذا كان أمن المجتمع المسلم له هذه الأولوية والرعاية في الشريعة، فإن أمن الدولة المسلمة التي وصفها بالعادلة، والتي قامت برضاء المسلمين وبيعتهم هذا الأمن معتبر شرعًا وواجب الرعاية أيضًا وأمرت الشريعة بحفظه ورعايته، فحرمت الخروج على السلطان المسلم، ووضعت حدًّا لمقاومة الاعتداء على أمن الدولة المسلمة وهو حدّ البغي، إضافة إلى تحريم الاعتداء عليه، ووجوب حمايته، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الحجرات: 9، ولقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "... ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا".
والمجتمع المسلم، يقصد به كل تجمع مسلم، تسوده عقيدة الإسلام، وتحكمه شريعته، وتظهر فيه قيمه الخلقية والسلوكية، وغالباً ما يتطابق معنى المجتمع المسلم مع معنى الدولة الإسلامية.
فالمجتمع في الدولة الإسلامية، هو مجتمع مسلم، وإن وقعت بعض المخالفات، أو التقصير من بعض أفراده، إذ العبرة بالغالبية التي يظهر فيها الخضوع للإسلام عقيدة وشريعة.
فالعدوان كما يقع من فرد على آخر داخل المجتمع المسلم، قد يقع على المجتمع المسلم جملة من مجتمع آخر، وقد تتعدد صور هذا العدوان الذي يهدد الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم.
ومن واجب ولي الأمر، أن ينهض بحماية المسلمين ومصالحهم ومجتمعهم من كل صور التهديد والعدوان، حتى يتحقق للمجتمع المسلم أمنه في جميع مجالات حياته.
وفي التنظيم الدولي الحديث، حيث يكون المجتمع في رعاية دولة لها حدودها ولها سيادتها على إقليمها، يكون الأمن الوطني من أول مهام ولي الأمر، وتكفل المواثيق الدولية، ومنها ميثاق الأمم المتحدة، لكل دولة الحق في العيش آمنة داخل حدودها، والحق في رد العدوان عنها إذا وقع من دولة أخرى أو جماعة مسلحة، ولا يسمح ميثاق الأمم المتحدة بالعدوان ولا بالاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولا بالأعمال العدوانية الموجهة ضد أي دولة، ويعطي الحق في رد العدوان عن الدولة المعتدى عليها بكل الوسائل، بما في ذلك تعاون الدول الأخرى عسكرياً في التصدي للعدوان الذي يقع على دولة عضو في الأمم المتحدة، طبقاً للفصل السابع من الميثاق.
ولكن المواثيق الدولية وحدها، لا تكفي من وجهة النظر الإسلامية، فلا بد أن يهيئ ولي الأمر أسباب القوة التي تحمي الدولة الإسلامية وأفرادها، وتمنع من انتهاك حدودها أو الإضرار بمصالحها، وهذا ما أوجبه الله تعالى على الدولة المسلمة والمجتمع المسلم بقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ (الأنفال الآية 60).
والقانون الوضعي في أفضل حالاته هو تعبير عن فكر بشري, وبما أن الفكر البشري ناقص في النهاية, فإنه لا يستطيع أن يحيط بما ينفع الإنسان في كل شيء, وتظل هناك مساحات بين القصور تؤدي إلى نتائج سلبية, وهكذا فإن القانون الوصفي لا يستطيع أن يحقق العدل المنشود ولا الاستقرار بحكم أنه قانون وصفي.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن أي مجتمع يتكون من شرائح اجتماعية وسياسية وفئوية مختلفة, ومن ثم فإن الذي يهيمن على الأوضاع يضع من القوانين ما يحقق مصالحه على حساب الآخرين.
إن من أولى مهمات النظام السياسي، أن يكون نظاما يعبر عن تطلعات مواطنيه، ويحترم إراداتهم ورغباتهم المشروعة، ومن أهم وظائفه أن يحافظ على أمنهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك سلامتهم من العنف السياسي، أو الاستغلال الاقتصادي، أو الاعتداء على النسيج الاجتماعي، واحترام مكونات المجتمع الثقافية، وكل ذلك يقع في دائرة سلامة الناس، لأن سلامة المواطنين تعني الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا تقتصر على المعنى الأمني المحدد.
أما في دول العالم الثالث، ودول الوطن العربي في مقدمة هذا العالم، فإنه يتم تشكيل الأمن لحماية النظام السياسي، ويتعمد إغفال حقوق المواطنين، على الرغم أن أي جهاز أمني لا يحترم المواطنين، ويلجأ للأسلوب القمعي، هو في الطريق الخطأ لمفهوم الأمن للنظام السياسي، الذي يقوم على حمايته.
والقوانين الوضعية التي تحفظ أمن الدولة وتحافظ عليه في عالمنا العربي شديدة وقاسية، وتأخذ الناس بالشبهات، وتسجنهم وتعتقلهم لمجرد المعارضة اللفظية وإبداء الرأي، ومع هذا لا نعدم في كل يوم من يخرج على هذه القوانين ويخترقها.
أما الأمن الاجتماعي والاهتمام بأمن الفرد من جرائم السرقة والقتل .. الخ، فإن القوانين الوضعية على كثرتها لم تردع الخارجين ولم توفر الأمان للباقين.
القوانين الوضعية لم توفر الأمان ولم تردع الخارجين عن القانون
المتأمل للوضع الأمني في العالم يجد أن كثيراً من الدول الشرقية تركز على الأمن الداخلي بخلاف كثير من الدول الغربية التي تركز على الأمن الخارجي أكثر.
وهذا الوضع طبيعي منطقياً لأن كثيراً من هذه الدول الشرقية لا تزال تعاني من تهديدات داخلية نتيجة لضعف الوعي الأمني أو لضعف سيادة القانون أو للفشل السياسي الذي يدفع بعض الحكومات لاستخدام أسلوب القمع والتخويف، بينما كثير من الدول الغربية رسّخت في مجتمعاتها الوعي الأمني وسيادة القانون واحترام الأنظمة وحقوق الإنسان ورفض الاستبداد فهي غير قلقة كثيرًا بسبب التحديات الداخلية.
والدول التي تفشل في تحقيق الأمني الداخلي ستفتح الأبواب وتشجع الأعداء للتلاعب بأمنها الخارجي، والأمن الداخلي آكد وأهم من الأمن الخارجي، والشمولية في فهم "الأمن" تعين الدولة على وضع الخطة الصحيحة المتكاملة، واتخاذ الإجراءات السليمة لتحقيق الأمن في المجتمع بخلاف الرؤية الجزئية التقليدية.
وكلّ ما يزرع الأمن والطمأنينة في نفوس الناس داخل في مفهوم الأمن، وكل ما يُدخل الخوف في نفوس الناس داخل في نواقض الأمن ومنغصاته كالبطالة والانهيار الاقتصادي والحروب والكوارث الطبيعية وتفكك الأسر ونشر الثقافات الضارة.
وقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على صيانة أمن المجتمع المسلم والدولة الإسلامية، وقد صانت الشريعة أمن المجتمع المسلم من كل الوجوه، شرع الله تعالى أعظم الحدود وأشدها على الإطلاق في حالة الاعتداء على المجتمع المسلم وهو حدّ الحرابة، حيث يقول تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} المائدة: 33.
فمن يعتدي على أمن المجتمع ويسعى لنشر الفساد في الأرض سواء أكان هذا الفساد يخص الإنسان، أو الحيوان، أو البيئة، فهو فساد مطلق شامل لكل ما ينطبق عليه الفساد، أمرت الشريعة بمواجهته وأرشدت إلى طريقة المواجهة والتصدي، وكانت قاطعة ومحددة في فرض حد الحرابة ضد من يعتدي على أمن المجتمع المسلم.
بل إن القرآن الكريم رفض الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، كصورة من صور التعدي على أمن المجتمع حينما قال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} البقرة: 205.
وهكذا اعتبرت الشريعة أن حفظ أمن المجتمع ودرء الفساد في الأرض ضرورة من الضروريات التي يجب صيانتها والمحافظة عليها.
والفرد في المجتمع المسلم يحتاج إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها.
وقد فرّق علماء المسلمين بين مطالب الحياة الضرورية، التي تهم الإنسان، وبين غيرها من حاجاته، فأنزلوا الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة إلا بها، وجعلوا حاجات الإنسان التي تُيسر حياته في مرتبة تالية، وأفسحوا مجالاً تكتمل به حياة الإنسان، فيما عدوه من الكماليات والتحسينيات.
ولا شك أن أمن الإنسان لا يمكن أن يتحقق، إلا إذا توافرت له ضرورات الحياة هذه، في أي مجتمع يعيش فيه.
وقد بلغ من عناية الشريعة بحفظ هذه الضرورات للمسلم، إلى أن حرمت على الشخص نفسه الاعتداء عليها، فحرمت الردة، وتعريض النفس للهلاك، وارتكاب الفواحش، وتناول المسكرات والمخدرات، وإضاعة المال، ونحو ذلك، كما حرمت على الآخرين الاعتداء عليها بأي صورة من صور الاعتداء، وشرعت عقوبات رادعة، وإجراءات وقائية متنوعة.
ومن أجل تحقيق أكبر قدر من الحماية لهذه الضرورات، كان تشريع الحدود والقصاص للزجر والردع عن الجرائم التي تمس الأفراد في أنفسهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم.
وإذا كان أمن المجتمع المسلم له هذه الأولوية والرعاية في الشريعة، فإن أمن الدولة المسلمة التي وصفها بالعادلة، والتي قامت برضاء المسلمين وبيعتهم هذا الأمن معتبر شرعًا وواجب الرعاية أيضًا وأمرت الشريعة بحفظه ورعايته، فحرمت الخروج على السلطان المسلم، ووضعت حدًّا لمقاومة الاعتداء على أمن الدولة المسلمة وهو حدّ البغي، إضافة إلى تحريم الاعتداء عليه، ووجوب حمايته، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الحجرات: 9، ولقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "... ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا".
والمجتمع المسلم، يقصد به كل تجمع مسلم، تسوده عقيدة الإسلام، وتحكمه شريعته، وتظهر فيه قيمه الخلقية والسلوكية، وغالباً ما يتطابق معنى المجتمع المسلم مع معنى الدولة الإسلامية.
فالمجتمع في الدولة الإسلامية، هو مجتمع مسلم، وإن وقعت بعض المخالفات، أو التقصير من بعض أفراده، إذ العبرة بالغالبية التي يظهر فيها الخضوع للإسلام عقيدة وشريعة.
فالعدوان كما يقع من فرد على آخر داخل المجتمع المسلم، قد يقع على المجتمع المسلم جملة من مجتمع آخر، وقد تتعدد صور هذا العدوان الذي يهدد الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم.
ومن واجب ولي الأمر، أن ينهض بحماية المسلمين ومصالحهم ومجتمعهم من كل صور التهديد والعدوان، حتى يتحقق للمجتمع المسلم أمنه في جميع مجالات حياته.
وفي التنظيم الدولي الحديث، حيث يكون المجتمع في رعاية دولة لها حدودها ولها سيادتها على إقليمها، يكون الأمن الوطني من أول مهام ولي الأمر، وتكفل المواثيق الدولية، ومنها ميثاق الأمم المتحدة، لكل دولة الحق في العيش آمنة داخل حدودها، والحق في رد العدوان عنها إذا وقع من دولة أخرى أو جماعة مسلحة، ولا يسمح ميثاق الأمم المتحدة بالعدوان ولا بالاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولا بالأعمال العدوانية الموجهة ضد أي دولة، ويعطي الحق في رد العدوان عن الدولة المعتدى عليها بكل الوسائل، بما في ذلك تعاون الدول الأخرى عسكرياً في التصدي للعدوان الذي يقع على دولة عضو في الأمم المتحدة، طبقاً للفصل السابع من الميثاق.
ولكن المواثيق الدولية وحدها، لا تكفي من وجهة النظر الإسلامية، فلا بد أن يهيئ ولي الأمر أسباب القوة التي تحمي الدولة الإسلامية وأفرادها، وتمنع من انتهاك حدودها أو الإضرار بمصالحها، وهذا ما أوجبه الله تعالى على الدولة المسلمة والمجتمع المسلم بقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ (الأنفال الآية 60).
والقانون الوضعي في أفضل حالاته هو تعبير عن فكر بشري, وبما أن الفكر البشري ناقص في النهاية, فإنه لا يستطيع أن يحيط بما ينفع الإنسان في كل شيء, وتظل هناك مساحات بين القصور تؤدي إلى نتائج سلبية, وهكذا فإن القانون الوصفي لا يستطيع أن يحقق العدل المنشود ولا الاستقرار بحكم أنه قانون وصفي.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن أي مجتمع يتكون من شرائح اجتماعية وسياسية وفئوية مختلفة, ومن ثم فإن الذي يهيمن على الأوضاع يضع من القوانين ما يحقق مصالحه على حساب الآخرين.
إن من أولى مهمات النظام السياسي، أن يكون نظاما يعبر عن تطلعات مواطنيه، ويحترم إراداتهم ورغباتهم المشروعة، ومن أهم وظائفه أن يحافظ على أمنهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك سلامتهم من العنف السياسي، أو الاستغلال الاقتصادي، أو الاعتداء على النسيج الاجتماعي، واحترام مكونات المجتمع الثقافية، وكل ذلك يقع في دائرة سلامة الناس، لأن سلامة المواطنين تعني الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا تقتصر على المعنى الأمني المحدد.
أما في دول العالم الثالث، ودول الوطن العربي في مقدمة هذا العالم، فإنه يتم تشكيل الأمن لحماية النظام السياسي، ويتعمد إغفال حقوق المواطنين، على الرغم أن أي جهاز أمني لا يحترم المواطنين، ويلجأ للأسلوب القمعي، هو في الطريق الخطأ لمفهوم الأمن للنظام السياسي، الذي يقوم على حمايته.
والقوانين الوضعية التي تحفظ أمن الدولة وتحافظ عليه في عالمنا العربي شديدة وقاسية، وتأخذ الناس بالشبهات، وتسجنهم وتعتقلهم لمجرد المعارضة اللفظية وإبداء الرأي، ومع هذا لا نعدم في كل يوم من يخرج على هذه القوانين ويخترقها.
أما الأمن الاجتماعي والاهتمام بأمن الفرد من جرائم السرقة والقتل .. الخ، فإن القوانين الوضعية على كثرتها لم تردع الخارجين ولم توفر الأمان للباقين.