وبانتهاء المرحلة الأولى، توقف المصريون (الوقفة العملياتية 10 ـ 13 أكتوبر). كان التوقف دون داعي، وأطول من اللازم، وقد اسلم ذلك، طواعية، المبادأة على كافة مستوياتها، إلى الطرف الآخر، الذي لم يتوانى في الاستفادة لأقصى حد من هذا الخطأ القاتل. بادرت القوات الإسرائيلية إلى انتزاع المبادأة من القوات السورية في الجولان، بحشد القوى الرئيسية أمامها، وصدها ثم دفعها للخلف، ثم استدارت لتقوم بالعمل نفسه ضد القوات المصرية في سيناء، في الوقت التي بدأت القوات المصرية، بقرار سياسي، التحرك جهة الشرق مرة أخرى. 4. الدرس الرابع على الرغم من التقدم الكبير، في أجهزة ومعدات المراقبة، فإن المباغتة، مازالت ممكنة.يقول الإسرائيليون "كانت المعلومات كلها أمامنا، قبل الحرب بوقت كافي، لكننا لم نراها، فقد أسئ فهم اشاراتها، كما أخطأ المفسرون في تعليلاتهم". وكان ذلك حقيقة، فقد استطاعت خطة الخداع المصرية، والسورية، من إخفاء النوايا الهجومية، وهو ما لا تستطيع أجهزة التنصت والتصوير من التقاطه، ولا ينفع معها أقمار صناعية، وإنما تحتاج لفهم دقيق لقوى الخصم الغير ملموسة، وعقليته، واتجاهات تفكيره، على أن يكون ذلك، في إطار الأحداث الجديدة، وليس في إطار قديم. فالإرادة أمر يمكن استحداثه، عندما تتغير الظروف البيئية، أو يصل الأمر لمنتهاه، فتتغير الأفكار، وتتغير اتجاهات الحركة تبعاً لذلك، وتحدث المفاجآت. 5. الدرس الخامس من الضروري، مداومة التنسيق، بين عناصر القتال، وكذلك التنسيق بين القائمين بالقتال ـ حسب المستوى ـ لتحقيق التعاون، في مثلث الوقت والمكان والهدف. يسعى القادة، إلى تنظيم التعاون مع مجاوريهم، لتحديد مسؤولية العمل المشترك، وكيفية التغلب على المصاعب والعدو في الحد الفاصل بينهم. كما ينظم القادة، الجهود لعناصرهم المقاتلة، لتحقيق أكبر فائدة، بأقل جهد ممكن. وفي حرب 1973، فقد الكثير من القادة، بعد أن دارت رحىّ الحرب، التنسيق الواجب لبعض عناصر القتال الرئيسية (السيطرة، المعلومات، الاتصالات، النيران، التلاحم، الصدمة، الخدمة الإدارية) وأدى ذلك لفقد التعاون، وصعوبة تحقيق ما تم تنظيمه وتنسيقه. وكان واضحاً أن القوات الإسرائيلية القائمة بالهجوم المضاد، يوم 16 أكتوبر، على جانب اللواء 16 المشاة، والفرقة الثانية المشاة، قد نفذت الحد الأدنى من التعاون فيما بينها، بسبب عدم التزام أحد عناصرها ـ الجنرال شارون ومجموعة العمليات التي يقودها ـ بمداومة التنسيق بالنسبة للهدف، والذي كان يعني في ذلك الحدث، تحقيق الجنرال آدن بمجوعته المقاتلة، اختراق رئيسي للقوات المدافعة، وأدى ذلك إلى كارثة، فعندما فشل آدن في الاختراق، وطلب معاونة من شارون، لم يكن الأخير في أوضاعه الملائمة بالنسبة للمكان ـ كذلك ـ ولتصحيح الوضع، كان سيهدر الوقت، ولم يعد التعاون ذو فائدة، فتوقف آدن عن الهجوم. 6. الدرس السادس يتحقق النصر، في القتال، عندما يتحقق الهدف بأقل خسائر ممكنة، وأسرع وقت. وتقليل الخسائر، يتطلب اتباع تعليمات ولوائح أمنية مناسبة. لذلك فإن اتخاذ تدابير لتحقيق الأمن، لا يقل في الأهمية عن الإجراءات الأخرى للقتال. العبرة في ذلك، ليس باستخدام طرق متعددة للشفرة والكود، في الاتصالات، أو تقييد التحركات، والإظلام، واتباع قواعد الإخفاء والتمويه. وإنما في التفضيل بين عامل السرعة والوقت، وعامل التكتم حتى لا يحصل العدو على المعلومة التي تنقصه. كان القائد الألماني الشهير، الفيليد مارشال أروين روميل يتحدث إلى قادة وحداته، في الأجهزة اللاسلكية، دون سرية، فقط، عندما يكون الاستفادة من المعلومة، غير متاح للخصم، فالعمل قد بدأ وأصبح قريباً الالتحام، قبل أن يستفيد الخصم مما حصل عليه من معلومات. كذلك فإن القادة الإسرائيليون، سمحوا أكثر من مرة، بإضاءة كاملة لمركباتهم القتالية ودباباتهم أثناء التقدم والهجوم كذلك، بما يتيح لهم رؤية أفضل، للحصول على نتائج أكيدة من الرماية على الخصم، والذي يفاجأ بذلك الأسلوب الذي لا يراعي أصول السرية والأمان، وتشله المباغتة، ثم يستمر في ذهوله من نتائجها المدمرة عليه. من وجهة أخرى، فقد الجنرال أريل شارون كل مكاسبه في الحرب، والتي كان يسعى لإحراز شهره بسببها، عندما عجزت قواته عن مواصلة القتال، وتوقف أمام هدفه الرئيسي، والذي كادت قواته أن تلمسه. وكان ذلك بسبب إهماله المتعمد، لكافة تدابير الأمن، في سبيل تحقيق الهدف قبل غيره من الجنرالات المتنافسين معه، وأدى ذلك إلى خسائر كبيرة تكبدتها لواءاته المدرعة، وعجز عن الاستمرار، ولو كان استطاع دخول مدينة الإسماعيلية ـ هدفه الرئيسي ـ ما استطاع الاحتفاظ به. 7. الدرس السابع يجب الحفاظ على الروح الهجومية لدي القوات، مهما كانت صورة القتال الدائرة (دفاع ـ انسحاب ـ حصار)، ولا يتحقق ذلك، إلا بممارسة أنشطة قتالية إيجابية. على الرغم من تخطيط القيادة المصرية، لدفع مفارز مختلفة الأنواع والتكوين، في مراحل المعركة كلها، منذ البداية، إلا أن القوات، تخلت عن ذلك مرتين، أفقدتها الروح الهجومية القتالية، التي بدأت بها الحرب. كانت المرة الأولى، عندما توقفت القوات على خط المهمة المباشرة للجيوش، لتنفذ الوقفة العملياتية، واعتبرت أنها وقفة استرخاء سلبية، إذ كان قرار قائد الفرقة الثانية المشاة في أول أيام الوقفة العملياتية "التمسك بالخطوط التي وصلت إليها الفرقة، وتعزيزها، ورص ألغام أمامها". ولتنفيذ ذلك أمر بقفل الثغرات بين الكتائب واللواءات، واتخاذ كتائب الدبابات خطوط صد، وخطوط نيران في الاتجاهات الرئيسية، وفتح الاحتياطيات المضادة للدبابات، لكل المستويات (بلغت 6 احتياطيات مكونة من 10 سرايا قواذف مضادة للدبابات، بعضها عديمة الارتداد، وصواريخ موجهه في معظمها). وهو ما أستدعى أن يوجه قائد الجيش الثاني الميداني، قادة الفرق المرؤوسة، للقيام بأعمال قتال إيجابية، لحرمان العدو من المناورة بحرية بالقوات والوسائل من اتجاه لآخر، والاستمرار في استنزاف القوات بالهجمات المضادة، المتتالية، وقد عدد قائد الجيش الأعمال الإيجابية التي يجب القيام بها، خلال التعزيز في رأس الكوبري، في الوقفة العملياتية لتشمل: أ. دفع داوريات استطلاع، ومجموعات استطلاع خلف خطوط العدو، للحصول على معلومات عن أعمال العدو واحتياطياته، لاتخاذ التدابير اللازمة لإحباطها. ب. دفع الكمائن على محاور الاقتراب لرأس الكوبري. ج. تنشيط أوضاع التعزيز، بدفع مجموعات مقاتلة للقيام بالإغارة على العدو. د. دفع مفارز قتال قوية للاصطدام مع العدو الذي يحاول شن هجمات مضادة على رأس الكوبري. 8. الدرس الثامن كما أن الإفراط في التفوق، في الاتجاهات الرئيسية، قد يصبح ضرراً أكثر منه نفعاً، فإن التقليل من حجم القوات، إلى الحد الغير ملاءم، لا يعني تحقيق مبدأ الاقتصاد في القوى. دفعت القيادة الإسرائيلية، ثمناً غالياً، كلفها كل ما فقدته في حرب أكتوبر 1973، نتيجة لتحقيق هذا المبدأ، في غير محله. فقد بني الإسرائيليون خطتهم للدفاع على الجبهة الجنوبية (سيناء) على أساس قوة المانع المائي كعائق أمام أي هجوم مصري. ولتوفير القوات والتكلفة كذلك، اكتفى بالقوات التي ستحتل المواقع الحصينة في خط بارليف. ثم خفضت تلك القوات، وأغلقت بعض النقط الحصينة، وقد مكن ذلك، المصريون من التغلب على ذلك الخط المحصن بسرعة، كما لم يكن للمواقع التي ظلت صامدة لفترة أطول، تأثير كبير على أعمال القتال لضعف قوتها. 9. الدرس التاسع ينجح العمل القتالي، عندما يُجبَرْ القائد المعادي، على اتخاذ قرارات، كردود فعل، وهو ما يتحقق بالمناورة بشقيها، الحركة والنيران، والتي يلزم لها خفة حركة، ومرونة فكرية وحركية. نجح القادة الميدانيون، الإسرائيليون، في إبطاء معدل تقدم القوات المصرية، حتى توقفت تماماً، مستخدمين في ذلك قدرة قواتهم المدرعة والآلية، على إجراء المناورة الحركية، بما لديهم من مركبات ذات خفة حركة عالية، والنيرانية بالقدرة على نقل النيران الدقيقة على الأهداف بفاعلية. ولم تنجح القوات المصرية في ذلك، عندما عبرت القوات الإسرائيلية إلى الغرب، حيث افتقدت خفة الحركة، والمرونة. 10. الدرس العاشر من الضروري المحافظة على الروح المعنوية للقوات، مرتفعة. وهو ما يمكن الإعداد له، أثناء التحضير للمعركة، بأساليب عديدة. أما أثناء القتال، فهناك ثلاث عوامل، هي الأكثر تأثيراً في الروح المعنوية، المستوى العالي لتدرب القوات، والاستمرار في الأعمال الإيجابية النشطة، وقوة العقيدة الدينية لدى المقاتلين. اهتمت القيادة العسكرية والسياسية المصرية، بالروح المعنوية للقوات، خاصة بعد هزيمة يونيه 1967. وقد بدأت بزيادة جرعات التدريب المفيد، على المهام القتالية، وأوصلت الجنود إلى درجة الاحتراف في استخدام الأسلحة والمعدات،