وقد زادت أحداث حرب الاستنزاف من ثقة الجنود والضباط بأنفسهم وأسلحتهم وقادتهم، وارتفعت معنوياتهم عدة درجات أكبر. كما كان لانتشار الوازع الديني بين أفراد القوات المسلحة، والإقبال الشديد منهم على فهم عقيدتهم الدينية بشكل صحيح، آثاراً جيدة على تحمل القوات للشدائد، والصمود في اللحظات الحرجة. ثانياً: استخدام القوات1. الدرس الأول ضرورة، إلمام القادة بالاستخدام الأمثل للمجهود الجوي المخصص، حتى يستخدم بإمكانيات كاملة، تعطي التأثير المطلوب. في حرب أكتوبر 1973، كانت القيادة العسكرية، تحتفظ بالمجهود الجوي للمعاونة الجوية للقوات البرية، في يد القائد العام، أو قادة الجيوش الذين يوزع عليهم مجهود جوي. وقد أدى ذلك الوضع، مع عدم إلمام القادة البريون، بخصائص وقدرات الطائرات، المختلفة، إلى عدم استغلال تلك القدرات في مراحل التطوير المختلفة، والتي تحتاج في الغالب، معاونة جوية مجدية. 2. الدرس الثاني أهمية تكامل العناصر الأساسية، لمنظومة الدفاع الجوي، والتي تكون من: أ. شبكات الإنذار. ب. مراكز القيادة والسيطرة. ج. الأسلحة الإيجابية. د. المواقع والمعدات الهيكلية، والخداعية. هـ. وسائل الاتصال المستقرة، والمؤمنة. 3. الدرس الثالث الاستخدام المتكامل، لكافة القوى البحرية، أفضل من التفوق العددي، في القطع البحرية. رغم تفوق الاسطولين، المصري والسوري، كل على حده، على الأسطول الإسرائيلي، فإن الأخير تمكن من إلزامهما بالدفاع، معظم فترات الحرب، ولم ينجح سوى الأعمال السلبية، والتي تمثلت في قفل مضيق باب المندب، بمجموعة غواصات ومدمرات وفرقاطات مصرية، كانت خارج مدى العمل للبحرية الإسرائيلية، التي لم يتوفر لها مواني صديقة على هذا البعد للارتكاز عليها، كما توفر للقطع البحرية المصرية. وكذلك تمثل العمل السلبي الناجح الآخر، في استخدام الألغام في قفل خليج السويس. وقد افتقرت منظومة العمل البحري إلى الاستطلاع البحري الاستراتيجي والحرب الإلكترونية البحرية والصواريخ سطح / سطح المتطورة والدقيقة (خاصة لإصابة الأهداف الصغيرة وهو ما توفر لدى البحرية الإسرائيلية)، وأهم ما افتقرت إليه القوات البحرية المصرية، المساندة الجوية. لذلك كانت الأعمال القتالية للبحرية المصرية محدودة. 4. الدرس الرابع أهمية مناسبة الأعيرة وقدرات الحركة، لمصادر النيران الرئيسة، للمستوى والتنظيم الرئيسي العاملة معه. لم تستطع المدفعية المصرية، رغم تفوقها الواضح، أن تقدم معاونة نيرانية فعالة، للوحدات المدرعة والآلية، حيث عجزت المدفعية المقطورة، خاصة الجرارات ذات العجل، عن مواكبة القوات المتحركة، وأخفقت معظم وحدات المدفعية العضوية والدعم، في الوصول إلى مناطق انتقالاتها، في مرحلة التطوير. كذلك، لم تكن الأعيرة، أحياناً، مناسبة، فمدفعية الجيوش لا بد أن تطول مدفعية الجبهة لدى الإسرائيليين، ومدفعية الفرق لا بد أن تطول مدفعية مجموعات العمليات الإسرائيلية، وغالباً ما يكون احتياطي هذه القوة (الجبهة ـ مجموعة العمليات) بالقرب من مجموعة مدفعيتها، وهما الهدفين الرئيسيين للمدفعية المناظرة. 5. الدرس الخامس أهمية توفر عناصر مضادة للدروع، مع كل أنواع الوحدات، حتى مستوى السرية، بما في ذلك عناصر الدفاع الجوي، على أي مستوى.أثبتت حرب أكتوبر 1973، فاعلية الوحدات المدرعة، المدعومة بالمشاة الآلية المتطورة، بالاستخدام الجيد. فقد فشلت الدبابات الإسرائيلية، عندما هاجمت المشاة المصرية، دون أن يساندها مشاة، بينما تمكنت المشاة المصرية من صد الدبابات الإسرائيلية بفاعلية، لتوفر عناصر مضادة للدروع متنوعة، معها. 6. الدرس السادس أسلحة البعد الثالث، هي أسلحة المستقبل .أثبتت حرب أكتوبر 1973، على الجبهة المصرية ـ وكذلك السورية ـ أهمية وفاعلية، عناصر وأسلحة البعد الثالث، فقد تم الاستيلاء على عدة أهداف حيوية ومؤثرة بواسطة الاقتحام الجوي الرأسي، كما أحبطت كثير من التحركات للاحتياطيات في العمق، بواسطة عناصر من الصاعقة تم إبرارها جواً. كذلك كانت الضربات الصاروخية التكتيكية مؤثرة وذات فاعلية، ضد الأهداف الهامة والكبيرة الحجم. ويلاحظ أن هذه القوات تحتاج إلى إجراءات تأمين معقدة. بعد حرب أكتوبر 1973، ونتيجة لذلك الدرس الهام، عنيت كثير من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإسرائيل، بالتوسع في حجم تلك القوات والأسلحة، وطورتها لتصبح أكثر فاعلية، وأدخل معها عناصر جديدة كذلك، مثل الصواريخ الباليستية الموجهه، ورص الألغام الأرضية بالصواريخ التكتيكية أرض / أرض. 7. الدرس السابع الحروب المقبلة، ستعتمد على الحرب الإلكترونية، لزيادة فاعلية أسلحتها، وإضعاف فاعلية أسلحة وقوات العدو. سميت حرب أكتوبر 1973، من قِبَلْ العديد من المعلقون والخبراء المتابعون للحرب، بالحرب الإلكترونية الأولى، وذلك لاستخدام طرفيّ الحرب (مصر ـ إسرائيل) عناصر مدربة، وأجهزة متقدمة نسبياً (في ذلك الوقت)، لكل أنشطة الحرب الإلكترونية، شملت الاستطلاع اللاسلكي والراداري، والتنصت، والاعاقة الإلكترونية، وعناصر التوجيه، والخداع. كما لم تعد قاصرة على الأجهزة الثابتة، وإنما أصبحت كذلك متحركة، ومحمولة جواً، أو مجهز بها الطائرات بدون طيار (والتي أصبحت أكثر تقدماً، وأكثر فائدة)، ويستخدم بعضها الفضاء كأقمار التجسس، مما يعطيها أبعاداً جديدة في الاستخدام. 8. الدرس الثامن أهمية العمليات الليلية، للتطوير، والاستيلاء على الأهداف والخطوط المناسبة ليلاً.نجحت معظم أعمال المفارز، والإغارات، والكمائن التي نفذت ليلاً، إذ فوجئ الطرف الآخر بها، أو لم يدركها إلا بعد أن حققت مهامها. ويحتاج ذلك إلى تدريب القوات على القتال ليلاً، في صور المعركة المختلفة، وتعميم أجهزة الرؤيا والتنشين الليلية، وأجهزة المسار للمحافظة على الاتجاه. 9. الدرس التاسع الاستخدام الأمثل، للعناصر المدرعة، والآلية، هو استغلال قدراتها كاملة، باستخدامها مجمعة، وفي أعمال هجومية، تحقق الصدمة وخفة الحركة والنيران، والتي هي أهم مميزات تلك العناصر. استخدم الطرفين، المصريون، والإسرائيليين، قواتهم المدرعة استخداماً سيئاً في بداية الحرب فكلاهما فتت وحداته المدرعة، وكان ذلك أكثر وضوحاً في القوات الإسرائيلية، التي خصصت وحدات فرعية صغرى (فصائل وسرايا) لدعم النقاط القوية لخط بارليف، عند مهاجمتها من قبل المصريين، وهو ما أفقد تلك الوحدات الصغيرة الحجم الفاعلية المطلوبة، وظل الأمر كذلك، في الهجمات المضادة التي تنامت أحجامها حتى وصلت إلى لواءات مدرعة، تهاجم منفردة. وقد فطن القادة الإسرائيليون لذلك الخطأ، وبادروا إلى حشد قواتهم المدرعة، واستخدامها في مجموعات عمليات مدرعة كلٍ من 2 إلى 3 لواء مدرع، وتعمل المجموعات بتعاون وتنسيق فيما بينها، وأدى ذلك إلى نتائج أفضل في المراحل الأخيرة من الحرب (القتال غرب القناة). أما القوات المصرية، فقد دعمت فرقها المشاة، بألوية مدرعة، معظمها تم سحبه من الفرقة الآلية والمدرعة (الاحتياطي العملياتي والاحتياطي الاستراتيجي) وهو ما أضعفها، عندما بدأت في تنفيذ مهامها القتالية. بالمثل، فإن قادة الفرق المشاة، استخدموا الألوية المدرعة الداعمة لهم، بالكتائب، والسرايا أحياناً، وهو ما زاد من تفتيتها، واستخدمت في كثير من الأحيان من خطوط صد، وخطوط نيرانية، مما أفقدها أهم خواصها، وأصبحت قطعة مضادة للدروع ليس إلا. الخاتمة أعتبر الخبراء، أن حرب أكتوبر 1973، بما حوته من أحداث، أحد أكبر الحروب الحديثة، التي طبق فيها كل نظريات العلم العسكري الحديث، وكانت نتائجها دروساً للجميع، وبعد مرور أكثر من ربع قرن، مازالت الندوات تعقد لدراسة هذه الحرب، ومعرفة خباياها، واستنباط الدروس منها، للأجيال القادمة. مهما قيل عن حرب أكتوبر 1973، فلا شك أن قيمتها العسكرية، ستظل ثمينة للعسكريين، وستظل دروسها مثالاً يدرس في المعاهد العسكرية. كان الأداء القتالي عالي المستوى، بدءاً من التخطيط على الأسس العلمية، وانتهاء من أداء الجندي وهو يتسلق الساتر الترابي، ويهاجم الحصن تلو الحصن، أو يدافع عما أكتسبه من أرض، شبراً، شبراً. أظهرت حرب أكتوبر 1973 قيماً جديدة للأسلحة والفرد، وكانت الصواريخ هي الأكثر استخداماً في ميادين عديدة، وقد أفرزت نبوءات، بدأت تتحقق في العقود التالية، كما هدمت نظريات وغيرت نظريات أخرى في البحر والجو وفي الأثير، فقد كانت الحرب الإلكترونية الأولى، وحرب المدرعات الحديثة، وحرب الحصون العتيقة، شملت المواقع المائية والأراضي الصحراوية والجبلية والزراعية، فكانت حرباً شاملة. امتدت آثار حرب أكتوبر عقوداً تالية، واتسع مجالها لتؤثر في السياسة العالمية، والإقليمية، والاقتصاد العالمي، والإقليمي وغيرت مفاهيم المجتمعات المعاصرة، في منطقة أحداثها، لتثبت مرة أخرى شموليتها.[/b][/b]